الحوار الشامل مع الباحث الاسلامي المستبصر المغربي
السيد محمد الغازي
2-0-1-6
الأسناذ الباحث السيد محمد الغازي هو أحد الناشطين في الحقل الإسلامي ،وقد ارتبط اسمه بالحركة الإسلامية فكريا وحركيا وتفاعلا ، ولأنه كان باحثا عن الحقيقة الدينية استبصر في سنة 2006 ، وركب سفينة النجاة سفينة أهل البيت عليهم السلام . وهو الآن ما زال كما كان في الحركة الإسلامية متافعلا مع كل القضايا التي تهم الأمة الإسلامية وخصوصا تلك القضايا التي تثار كل يوم في صحافتنا الوطنية والدولية حول مذهب أهل البيت عليهم السلام.
تابع صفحة الباحث السيد محمد الغازي غلى الفيس بوك


مدير موقع العرفان والانتظار :
أتمنى أن تحكي لنا وأنت في شبابك الأول كيف تعرفت على الحركة الإسلامية، وكيف كانت تلكم الأيام الأولى من نشاطك داخلها ، وكيف كنت ترى وأنت في ريعان شبابك مستقبلها؟
السيد محمد الغازي :
الحمد لله الهادي من يشاء من عباده إلى صراطه المستقيم،و أصلي و أسلم على من جعله الله رحمة مهداة للعالمين و على آله الأئمة المطهرين
ورضي الله تعالى عن الصحب المنتجبين ،و رحم الله من والاهم و اتبعهم إلى يوم الدين .
و بعد
بداية أود أن أشكرك أخي يوسف على هذه المبادرة الحوارية التي نرجو جميعا من المولى جلت قدرته أن يجعلها خالصة له من كل ما قد يشوبها من رياء أو سمعة أو حب ظهور أو غيرها من الأمراض القلبية التي تفتك بالأعمال الحسنة .
كما نرجو أن تكون نافعة مفيدة لكل من تأتى له الاطلاع عليها .
سأحاول أن أختصر ما أمكنني للإجابة على سؤالك بما يفي بالغرض بحول الله و إلا فالحديث عن تلك المرحلة يحتاج الكثير من الصفحات .
السؤال الديني بشتى مجالاته في الحقيقة كبر معي بموازاة مراحل عمري ، فمنذ طفولتي المبكرة و أنا أهتم بالشأن الديني عقيدة و عبادة و معاملة ، كانت الأجوبة الأولى البسيطة الفطرية العادية أتلقاها من والدَي و معلمي في الابتدائي .
في الإعدادي بدأت إشكالاته تطرق عقلي من خلال مختلف الأساتذة الذين كان فيهم المتدين الملتزم و الملحد الجاحد ، و هكذا تأثرت بالأول فازدادت نسبة تديني إلا أن الثاني كان يرجعني خطوة الى الوراء لأبحث عن الحجج التي تؤيد مساري المتدين .
الكتاب كان رفيقي الوحيد الذي أستأنس به في هذا المشوار الى أن تعرفت على جماعة دينية إسلامية دعوية عالمية ( الدعوة و التبليغ ) سنة 1986 و أنا ابن 16 عاما لأتعلم عبرها بعض الإيمانيات و الآداب و شجاعة الدعوة .
كانت هذه المرحلة بمثابة منعطف في حياتي بحيث انتقلت من مرحلة التدين الفردي التقليدي البسيط إلى الجماعي ، هذا الجماعي الذي سيطلعني على شتى الجماعات الاسلامية في الساحة آنذاك من سلفية و إخوانية بأنواعهما و الزوايا الصوفية .
اذن وجدت نفسي أمام عدة خيارات فبدأت أنتقي المناسب لي بعد التعرف على أغلبها لأستقر في جماعة تجمع لي بين التربية الروحية و العمل المنظم الهادف ، بعدما تشكلت لي قناعة راسخة بأن الاسلام يجب أن تتخذه البشرية منهج حياة لتسعد في الدنيا و الآخرة ، و هذا يحتاج الى جهد كبير من تربية الأفراد و تأطيرهم و تعبئتهم لتحقيق ذاك المبتغى و تنزيله .
مدير موقع العرفان والانتظار :
كيف كانت تجربتك الإيمانية والروحية والتنظيمية مع الجماعة التي كنت فيها عضوا ناشطا ؟.
السيد محمد الغازي :
كنت أرى في كل تلك الجماعات سبلا الى الله و الدار الآخرة و وسيلة لتحقيق دولة الاسلام ، والخلافة على منهاج النبوة وفق أدبيات الجماعة التي اخترتها باعتبار أنها الأجود و الأفضل في الساحة حسب ظني حينئذ ، تلتقي في الأصول و الأهداف و الباقي تفاصيل و جزئيات رغم ما كان يصدر من أذى من قبل السلفيين لنا و للأطراف الأخرى ، هذا الأذى من الاتهام بالشرك و الضلال على مستوى العقائد ، و الاتيان بالبدع على مستوى العبادات و بعض الأنشطة ، و مع احساسي بعجز الجماعة عن الرد المقنع عليها ، دفعني لاتخاذ مسار علمي خاص بي لعلني أصل الى ما يطمئنني بعدما أفرغ من مطالعة ما تحيلنا عليه . و لأن هَمَّ الخلاص الفردي و الجماعي ترسخ لدي بفعل توجيهات الجماعة و أنشطتها المختلفة التي كنت غالبا ما ألتزم بها و أجتهد في إنجاحها و الدعوة اليها ، كنت منكبا على ما ينير لي الطريق للعروج الى مقامات الاحسان و مهتما بأدبيات الحركة الاسلامية في العالم الاسلامي التي كنت أعيش آمالها و آلامها لأنني كنت أرى فيها المستقبل العادل الزاهر الواعد الآتي لا محالة…..و هكذا و بالاضافة الى تأثري الشديد بفكر الجماعة الذي جله من فكر مرشدها ،أعجبت أيضا بغيره كفكر حسن البنا و سيد قطب و محمد قطب و أبو الأعلى المودودي و فتحي يكن و عبد الله ناصح علوان و حسن الترابي و غيرهم من مفكري الحركة الاسلامية ،كما و كانت القيادات السياسية لهذه الحركة في العالم الاسلامي و مواقفها محط اكبار و تقدير لدي ، و نحن نسعى سعينا في المغرب و عيوننا على الجبهة الاسلامية في الجزائر و النهضة في تونس و حركة الترابي في السودان و الاخوان ( الحركة الام ) في مصر و الاردن و سوريا و الجماعة الاسلامية بباكستان و غيرها من الحركات الاخرى ، أما الحركات المسلحة في أفغانستان و فلسطين فكانت في أعيننا بمثابة ذروة سنام ما يمكن أن يتشرف به المؤمن المنتسب اليها ، كنا نعقد عليها آمالا كثيرة قبل أن يخيب ظننا ب ” المجاهدين ” في أفغانستان حينما تحولوا الى فصائل متحاربة فيما بينها بعد خروج الاتحاد السوفياتي من أراضيهم .
مسلسل الانتكاسات و الابتلاءات لم يقتصر على الحركات هناك بأفغانستان ، بل شمل الجبهة الاسلامية بالجزائر حينما حرمت من السلطة التي استحقتها عبر صناديق الاقتراع بداية التسعينيات ليتحول بعض فصائلها الى منظمات مسلحة ، النهضة هي الاخرى أجهز عليها من قبل بن علي ، و هكذا في السودان في سوريا الخ .
خلاصة الأمر كانت الحركات الاسلامية أينما وجدت في هذا العالم فهي محل اهتمامي متابعة و تأثرا و تفاعلا .
في ظل زحمة هذه الاهتمامات كنت أكتشف الكثير من الخلل داخل هذه الحركات و من بينها تلك التي أعمل من داخلها سواء على المستوى التربوي أو الفكري أو على مستوى مقاربتها لجل القضايا مما كان يحتم علي أن أقلص نشاطي داخل الجماعة وأغيب عنها بعض الأحيان لأتفرغ لمحاولة الفهم أكثر من خلال البحث العلمي و المطالعة المنفتحة.
مدير موقع العرفان والانتظار :
متى انفصلت عن هذه الجماعة وماهي الدوافع الحقيقة وراء ذلك ؟.
السيد محمد الغازي :
….و نظرا لشح المعلومات التي تتحدث عن الشيعة و التشيع و ندرة أدبيات حركاتهم و عدم توفر مصادرهم نتيجة الحصار المضروب عليهم و على تراثهم بتواطئ الأنظمة و الحركات على السواء لم تتح لي الفرصة للاطلاع على شيء من ذلك إلا نادرا جدا جدا ،
استمر هذا الوضع الى أن برزت القنوات الشيعية و حدثت الثورة المعلوماتية التي فرضت علي كباحث في الفكر و الحركة الاسلاميين أن أشمر على ساعد الجد لأعرف ماذا هناك .
و كان طبيعيا جدا أن أنسحب بشكل تدريجي و هادئ من الجماعة بحكم وقع سلسلة الاكتشافات التي عثرت عليها عند القوم المستندين الى أهل البيت عليهم السلام و بفعل قوة الصدمات التاريخية التي تلقيتها و التي كانت مغيبة عنا و كأنها ليست من تاريخنا و لا من تراثنا.
مدير موقع العرفان والانتظار :
من خلال تتبعي لقصص المستبصرين استخلصت أن الذي يكتشق حقيقة التشيع والاستبصار هم الصادقين في البحث عن حقيقة الدين الإسلامي عبر التأمل والتفكر ،والذين هم عندهم نقاء فطري فهل هذا صحيح ؟
السيد محمد الغازي :
مصطلح الاستبصار يتحفظ عليه البعض لأنه يحمل في طياته نوعا من النظرة الدونية للمدرسة الأخرى فيفضل كلمة التحول العادية التي تعني الانتقال من مذهب الى آخر من دون أن تقطع بأيهما أهدى سبيلا .
أنا أقول أن لكل مقام مقال .
فعندما أتواصل و أتحاور مع (الآخر) على قاعدة ( إنا او إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ) وألقي بما لدي من حجج فعلى أساس أني متحول أدلي بأسباب هذا التحول .
وأما و أنا أدعو (الآخر) لينهل من مدرسة أهل البيت عليهم السلام فلكوني أبصرت نورهم و هديهم من خلالها ، فعندئذ لا أخجل من أن أطلق على نفسي ( مستبصر ) ، بل أعتز بها من دون غرور .
أما في مقام سلوكي الشخصي الى الله عز وجل و ارتباطي الوجداني و الروحي بأهل البيت عليهم السلام ، و الغوص العرفاني في مقامهم و منزلتهم و علومهم و أسرارهم و دررهم فلا تفي بوصف هذه الحالة الا كلمة مهتدي .
اذن فالتحول و الاستبصار و الاهتداء مصطلحات تصلح عند مقامها .
القرآن الكريم حينما يحدثنا عن أن الله تعالى يهدي من يشاء ، بمعنى من المعاني أن من صدق و أخلص في طلب الهداية و اتخذ الأسباب الموصلة لها ( جاهدوا فينا ) ، حتما سيحقق مراده وفق سنة الله و إرادته و لو بعد حين .
أهل البيت عليهم السلام جعلهم الله تعالى معيارا لهذه الهداية ( ثم اهتدى ) . و مقياسا لصفاء السريرة الذي بقدره يكون حبك و موالاتك لهم و اتباعهم و التخلق بأخلاقهم ، (هم ( الباب المبتلى به الناس ) ، فقد تجتاز عدة اختبارات في سلوكك الى الله من توبة عن المعاصي و إيمان بأصول الدين و عمل صالح ، لكن الركن الرابع في هذا السلوك هو المحك و المعول عليه في الارتقاء في مدارج الهداية . و هو الضامن لسلامة الاركان الثلاثة الاولى .
يستحيل على من يتمتع بالنقاء و الصفاء المذكورين أن يتعرف على أهل البيت عليهم السلام و مقامهم و منزلتهم و علمهم و أخلاقهم و كلامهم و مظلوميتهم ، أن يلتفت الى غيرهم أو أن يأخذ دينه من غير مشكاتهم ،أو أن يسلك الى الله عز وجل من غير طريقهم ، فضلا عن المحبة الخالصة لهم و العشق و الهيام بهم .
مدير موقع العرفان والانتظار :
ما هو شعورك الباطني وأنت في مذهب أهل البيت عليهم السلام ؟ وماذا وجدت في هذا التحول ؟.
السيد محمد الغازي :
حينما تكون مهتما في طفولتك و شبابك بالبحث عن ماهية الانسان و الحياة و الكون و الفلسفة و سر وجودهم ، و غاية و وظيفة و موقع و مصير الانسان لتترسخ لديك قناعة القصد في كل شيء بدل العبث .
و تتخذ سبيل الجد عوض الهزل و اللهو ، لترسم مسارك نحو الغاية من خلقك و أداء وظيفتك المنوطة بك من خلال البحث و التنقيب عن أفضل الطرق و أقربها صادقا و قلقا و مستشكلا و كادحا و مجاهدا و مجربا و متفاعلا .
فتشملك عناية المولى لتدلك على أفضل تفسير مطمئن ( كي لا ادعي الحق المطلق ) لهذه الماهية فتنير مصابيح أهل البيت عليهم السلام ، دجى العقائد الفاسدة الضالة المبثوثة في ذهنك و تصوب صورتها فيه ، و يفتح عليك الكريم المنان بأقرب و أترع و أوسع و أفضل و أجود و أحسن و أرقى و أكمل و أهدى طريق و سبيل موصل اليه و الى مرضاته و محبته و قربه عبر واسطة فيضه و وحيه و معدن رسالاته و عيبة علمه و محل قدسه و حججه على خلقه .
أكيد أن الفرحة بفضل الله و رحمته تكون مضاعفة و منسوب الانشراح و الاستبشار يكون زائدا و درجة الاطمئنان ترتفع .
كيف لا و قد أركبك سفينة النجاة و ما بقي عليك سوى الالتزام بقوانيننا الداخلية .
و أدخلك حضرة أوليائه و أصفيائه المجتبون و علمك آداب المثول بين أيديهم و الجلوس إلى مقامهم لتنهل من معينهم العذب الذي لا ينضب لاتصاله بالسماء .
بل و كيف لا تستغرق في حمده و شكره و أنت ترى أثرهم و بركتهم عليك و أنت تحل عقد الاشكالات و التناقضات العقائدية و التفسيرية و الروائية و التاريخية و غيرها التي صحبتك طيلة أيام الجفاء و الهجران الغير المقصود و المتعمد .
و كلما طلبت مددهم الروحي و العرفاني و العلمي و الأخلاقي زودوك و أفاضوا عليك من أنوارهم بقدر عزمك و ارادتك و رغبتك و طاقتك و جهدك .
تستشعر فيهم الأب الحنون العطوف الحريص عليك .
و الولي المرشد المربي الآخذ بيدك برفق و لطف لعلمهم بعلتك و مرضك و سقمك .
أدعيتهم و أحرازهم و أورادهم و أذكارهم بمثابة الصيدلية الربانية الكاملة الشاملة التي تجد فيها الدواء المطلوب لعلاج دائك .
فكلما قلت لك الحمد وجب علي أن أقول لك الحمد على ما مننت به علي من معرفة أوليائك الأئمة و الخلفاء الهادون بأمرك و شرفتني بولايتهم .
مدير موقع العرفان والانتظار :
حسب تجربتك في المذهب ( الآخر ) أو السائد أو السني لماذا الجمهور المسلم عموما يتخوفون من التشيع ؟.
السيد محمد الغازي :
التدين عموما لا يشكل العنوان الأساسي عند الغالبية العظمى من الناس و اذا اهتموا به من باب العناوين ما دون الرئيسية كانوا على دين مجتمعاتهم و لسان حالهم ينطق ب ( انا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون ) ،كذلك يعتقدون ، يذهبون ، يفكرون ، يعبدون ، ينشطون ، يحيون شعائرهم و طقوسهم ..و هكذا ، و لا شك أن مثل هذا التعاطي مع الدين إن لم يحدَّث و يجدَّد و يقوَّم يصبح شكلا من دون روح و طقسا قليل الافادة ، و هذا التوصيف ينسحب على كل المجتمعات بما في ذلك الشيعية التي لولا المجهودات الصادقة و المخلصة و الجبارة التي يقوم بها علماءهم و مراجعهم و مفكروهم و مثقفوهم و قياديوهم من عمليات التجديد و التثقيف و التوعية لطغت عليها الظواهر الشاذة و المنحرفة و لسادت بعض المغالطات العقائدية أيضا ، أما في مجتمعاتنا ذات الأغلبية السنية فأصل التشيع لأهل البيت عليهم السلام بالمعنى الأعم حاضر في وجدانهم و في بعض تقاليدهم و طقوسهم و عاداتهم و ثقافتهم ، و خصوصا عندنا في المغرب بلد الأشراف ( السادة ) الذين ينتسبون الى مولاي ادريس بن عبد الله حفيد الزهراء عليها السلام ، و بلد الزوايا الصوفية و الأضرحة المختلفة و المتفرقة عبر ترابه، هذه الشريحة الواسعة من مجتمعنا كانت و لا زالت تستهدف من قبل الوهابية السلفية التي لا ترى فيهم الا شركا و ضلالا و بدعا و انحرافا و زندقة حسب فهمها للدين ، فيما يتعلق بالتشيع بالمعنى الأخص أي الاعتقاد بإمامة و خلافة أهل البيت ع الإثنى عشر بعد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله و وجوب اتباعهم و موالاتهم و طاعتهم و الرجوع اليهم في كل كبيرة و صغيرة من شؤون الدين ، فيتطلب قدرا من البحث و الشجاعة و الجرأة في ظل سيادة المذهب (الآخر ) و تجذر ثقافته ، اضافة الى المحبة و الموالاة العامة ، المذهب (الآخر ) الذي اتخذته الوهابية و السلفية و انضافت اليهما الاخوانية مؤخرا بمثابة قميص عثمان ، فرفعت شعار الدفاع عنه متسلحة بكل ما أوتيت من قوة و مكر و كذب و بهتان ، فراحت تنعت هذا النوع من التشيع بالرفض و المجوسية و الصفوية و السبئية و … و نظمت جيوشها تحت رايات ، منها راية الدفاع عن الصحابة و أخرى عن أمهات المؤمنين و راية الدفاع عن الأمويين ، و وزعت كتائبها و ألويتها لتحيي بها أمجاد ” الخلافة الاسلامية ” و رموزها كمعاوية و يزيد و هشام و هارون الرشيد و المتوكل و صلاح الدين و يوسف بن تاشفين و غيرهم ، اعلام هذا ” الدفاع المقدس ” يسلط الضوء على كل موقف أو رأي شاذ و نادر عند الطرف (الآخر) ليقيم عليه بكائياته و يعمد الى تضخيمها و تهويلها و ابرازها قاصدا التحريض عليه و تعبئة الجمهور ضده ، في محاولة لإخراج القناعات و الأفكار عن اطارها العلمي ، لا يهم هذا الاعلام لا الاغلبية العاقلة و المتزنة و الرصينة و الوازنة و الرشيدة و الحكيمة من الشيعة و لا أصوات الوحدة و التقارب التي يرفعونها و يقيمون لها المؤتمرات و الندوات، و لا فتاوى و أقوال غالب مراجعهم ذوي الحضور الجماهيري بتحريم سب الصحابة و النيل من أمهات المؤمنين و التطبير و غيرها مما يثير و يغذي الفتنة أو يشوه الدين ، و لا الانجازات التي حققوها لتصبح فخرا للأمة و رافعة لتقدمها و تنميتها ، و لا الانتصارات التي أحرزوها ضد العدو الواضح و البين و الظاهر للأمة المغلوبة و المقهورة منذ عقود ، كل المحاسن و الفضائل و الايجابيات لا تشفع و لا تنفع أمام هذا ” الدفاع المقدس ” !!؟؟ حتى اذا فطنت لحيلهم و خداعهم جماهيرهم و أتباعهم حاولوا سحرهم و طمس عقولهم بآخر سلاح لديهم : ” انهم يعملون بالتقية ” … لا تصدقوهم و لا تنصتوا اليهم ، بل و لا تقربوهم . صراحة كان الله في عون الباحث المتجرد ذي النية الحسنة و القلب الطيب أمام هذا الوضع الخطير الذي تداخلت فيه السياسة الدولية و الاقليمية ذات الابعاد الجيوسياسية و الاستراتيجية و الاقتصادية بالدين و الطائفة و المذهب و الفكر ، البعض منهم يسعى جاهدا ليوظف (الآخر) أحسن توظيف و يستثمر فيه و يتاجر به ، فكيف بالبسيط العامي . الا أن يوفقه الله تعالى اذا اشتكلت عليه الأمور لأهداها و اذا تناقضت الملل لأرضاها و إذا تشابهت الأعمال لأزكاها ، إنه نعم المولى و نعم المعين .
مدير موقع العرفان والانتظار :
نجد هذه الأيام في الصحافة الالكترونية وخصوصا منها تلك التابعة للمؤسسات المدجنة مصطلح الأمن الروحي للمغاربة ، فكيف يمكنك أن تضع هذا المصطلح في سياقه الحقيقي ، وأين يوجد حقيقة الأمن الروحي بمعناه الحقيقي ؟.
السيد محمد الغازي :
الأمن بمفهومه العام هو منظومة متكاملة تعنى بكل جوانب حياة الانسان ، فهناك الأمن الاجتماعي و الاقتصادي و الغذائي و الصحي و الثقافي و الجنائي الخ . الأمن الروحي هو أحد هذه الجوانب الذي لا يقل أهمية عن الأخرى ، و هو مفهوم و مصطلح استحدث في العقدين الأخيرين و يراد به عندنا في المغرب تحصين الهوية الدينية المغربية من أي اختراق لمنظومته ، سواء الطائفية أو العقائدية أو المذهبية ، أي الحفاظ على الهوية السنية المالكية الأشعرية من كل ما قد يقوضها أو يضعفها ،سياق تداول هذا المفهوم التهديدات الإرهابية التي اجتاحت و تجتاح العالم بأتمه و الإسلامي على وجه الخصوص و المغرب تحديدا الذي لم يكن بمنأى عن ذلك كما هو معلوم ، و لتفعيل هذا المفهوم قامت الدولة بعدة خطوات كإصلاح الحقل الديني و إعادة هيكلة المجالس العلمية و تأسيس بعض المؤسسات التي تعنى بتكوين و تأهيل و تأطير الخطباء و الوعاظ و الأساتذة ، الكل كان مجمعا على أن التهديد الإرهابي هو نتيجة للفكر السلفي و تحديدا الجهادي منه الذي يكفر الدول و المجتمعات على السواء و يبني على ذلك نهجه العنفي ، ألا ان هذا المصطلح و بفعل التدخلات الإقليمية الخليجية توسع ليشمل التشيع منذ التوتر الذي حصل بين المغرب و ايران سنة 2009 الذي نتج عنه قطع العلاقات بين البلدين و قيام السلطات بحملة اعتقالات في صفوف الشيعة المغاربة و التحقيق معهم و مصادرة كتبهم و تجفيف المكتبات من كل ما له علاقة بالتشيع .
إن الاطلاع على الأفكار و الدعوات و الآراء و جميع المعارف أضحت من القرب اليوم حتى صارت على كف اليد الواحدة للانسان ، يكفيه أن يمتلك هاتفا ذكيا بخس الثمن .و اذا بعد بعض الشيء فعند زاوية من زوايا البيت حيث شاشة التلفاز مع جهاز رقمي ، و بالتالي فالحفاظ على الأمن الروحي يتطلب مقاربة أذكى و أعمق و أشمل لتتناسب و هذا التطور الرقمي و العنكبوتي ، إن العالم اليوم بات يعرف مصدر التهديد و وكره و راعيه و مموله، على علم بالمؤسسات العلمية و التعليمية من جامعات و معاهد و مناهج دراسية و قنوات فضائية و مواقع الكترونية و مجلات و جرائد ، التي ديدنها نشر الكراهية و الحقد و تكفير كل من ليس على ملتها و خطها و نهجها ، و الدعوة الصريحة و المشيرة الى محاربته و قتله و استئصاله ، لكن الممسك بزمام هذا العالم اليوم و ناصيته أغلبهم منافقون نفعيون لا يهمهم سوى الحفاظ على هيمنتهم و سيطرتهم على الشعوب ، و لذا تجدهم أول من يتحالف و يدعم هذا المصدر لان منافعه بالنسبة لهم أكبر من إثمه .
مدير موقع العرفان والانتظار :
في ظل هذا الوضع المتسم بالتحريض على الشيعة و تشويه سمعتهم لدرجة اتهامهم بالولاء لغير أوطانهم ما هي وظيفة الشيعي المغربي ؟.
السيد محمد الغازي :
الشيعي المغربي الذي حسم أمر عقيدته في أهل البيت عليهم السلام باعتبارهم أئمته الذين يواليهم و يرجع اليهم في الاصول و الفروع من دينه و يتوسل بهم للقرب من الله عز وجل و يرجو شفاعتهم كونهم شهداء الله على خلقه و حججه على عباده و خلفاء لرسوله ، مطلوب منه ابتداء تعميق الارتباط بهم روحا و وجدانا و معرفة من خلال قراءة زياراتهم المضمنة في كتب الأدعية كمفاتيح الجنان و من خلال الاطلاع على سيرهم التي تتحدث عن سمو أخلاقهم و رسوخ عبادتهم و فيض علومهم و قمة عطائهم و تضحيتهم و جهادهم و صبرهم و مأساة مظلوميتهم و اضطهادهم و حصارهم و قتلهم ، هم و عشيرتهم و أتباعهم و أنصارهم ، ليخلص في النهاية بأن ما يتعرض له شيعتهم اليوم ما هو الا امتداد لذلك ليكون على بينة من أمره . و مطلوب منه ألا يقف عند منعطف الطريق فيستغرق في التاريخيات ليبين أحقية أهل البيت ع في الخلافة و الاتباع ، بل يتابع سيره في الطريق الذي اهتدى اليه و اقتنع بأنه الأقرب و الأفضل و الأحسن ( حتى لا أقول الوحيد ) للرقي في مدارج كمال النفس و صقلها و تزكيتها . و الخط الصحيح الذي يجب أن يتكامل فيه تربية و سلوكا و علما و عملا . و هذا يتطلب تعميقا بالمعرفة الدينية المستلهمة من رواياتهم و أحاديثهم و اتخاذ أدعيتهم و أذكارهم أورادا يومية و بالمناسبات . ثم الأخلاق و ما أدراك ما الأخلاق في زمن انحلالها و ضعفها و انهيارها . ما الذي سيضيفه الشيعي الى ساحة المجتمع ان لم يتميز بأخلاق أهل البيت ع العالية و السامية و انجر الى ما تعج به من سب و شتم و قذف و غيبة و نميمة و كذب و تضليل و تحريض و تملق و استرزاق و متاجرة بالدين و المذهب و الطائفة و الخط و الجبهة و ما الى ذلك من الأخلاق الذميمة ؟ أنا أعتبر أن معركتنا مع الآخر قبل كل شيئ هي معركة الأخلاق . و بعدها معركة الوعي الحقوقي و السياسي و الواقعي المحلي منه و الاقليمي و الدولي . الوعي الذي به نرتب أولوياتنا و نتحرك وفقه ، نحدد به مواقعنا و نطلق مواقفنا . و أما تهمة الولاء للخارج فهو سلاح في متناول الجميع يشهره من شاء في وجه من يشاء من أعدائه و خصومه . فأعداء و خصوم الشيعة قد يتهمونهم بالولاء لايران مثلا . و أعداء السلفية و الوهابية قد يتهمونهم بالولاء للسعودية . و هكذا .. الاخوان قد يتهمون بالولاء لتركيا و قطر . اليسار لروسيا.. الليبراليون لأمريكا .. الفرانكفونيون و اللائكيون لفرنسا .. غالبا ما يستخدم هذا السلاح الذي يعجز و يضعف و قد يهان أمام الآخر القوي بحجته و برهانه و منطقه . ايران دولة اسلامية رائدة ناجحة مقتدرة ممانعة نعتز و نفتخر بها كمسلمين نريد العزة و الكرامة و النهضة تسود جميع دولنا و تعم العدالة أرجاءها و تنفض غبار التبعية و الانسياق لغيرها . أما التشيع لأهل البيت ع فقد عرفه المغاربة و اعتنقوه قديما قدم التاريخ الاسلامي حينما آووا و نصروا مولاي ادريس بن عبد الله و صاهروه و أمروه عليهم ليقيم فيهم دولة و مجتمع العدل و الاحسان وفق رؤية و تصور أهل البيت ع في مقابل دولة الجور و الطغيان التي نجا منها في الشرق . فالتشيع لهم هو الأصيل فينا اذا تحدثنا عن الأصالة .
مدير موقع العرفان والانتظار :
قد يبدو للقارئ و قد عزوت بداية سبب استبصارك الى القنوات الفضائية الشيعية و مواقعهم الالكترونية أنك تناقض نفسك حينما تتحدث عن أصالة التشيع المغربي ؛ كيف تشرح ذلك ؟
السيد محمد الغازي :
أولا أصالة التشيع و الشيعة في المغرب هي من أصالة الإسلام ، فالمغرب دولة إسلامية و أهل البيت عليهم السلام قطب رحى الإسلام و مداره ، و بالتالي فمحبوهم و أتباعهم و أنصارهم هم أولى الناس بالإسلام و القرآن و السنة ،ثم أن أصالة التشيع و الشيعة في المغرب تكمن في المحبة و الولاء التي كان عليها أجدادنا الأوائل لأهل البيت عليهم السلام في مقابل رفضهم” للإسلام ” الأموي المزيف الذي اعتبروه أنه أتى ديارهم غازيا لا ناشرا للإسلام ، بينما حينما أتاهم مولاي ادريس بن عبد الله لاجئا من بطش العباسيين رحبوا به و أكرموه و أمروه عليهم و صاهروه و بايعوه ليقيم فيهم دولة العدل و الاحسان و العدالة و التنمية و السلف الصالح ، وفق رؤية و تصور و منهاج آبائه من أهل البيت عليهم السلام، و لقد دامت هذه الدولة على هذه الحال عقودا من الزمن و المغاربة يدينون فيها بالولاء لهم عليهم السلام و ينهلون من ثقافة مدرستهم حتى تجذرت و تثبتت في عقولهم و شعائرهم و تقاليدهم و عاداتهم ، و لقد عمل المغاربة و خصوصا الأشراف (السادة ) و الزوايا على الحفاظ على هذه الثقافة عبر السنين و القرون رغم موجات النصب التي ضربت المغرب و حاولت استئصال هذه الثقافة و غيرها من العوامل الأخرى ، إلا أن هذه الثقافة تعرضت للإهمال و التهميش و التلف و برزت عوضها ثقافات أخرى عمل أصحابها على نشرها و بثها في الناس كالوهابية و السلفية التي طغت حتى على الخطاب الديني الرسمي للدولة الحالية التي تتبنى السنية المالكية الأشعرية الجنيدية ، هنا أتوقف لأشكر هذه القنوات الفضائية الشيعية و مواقعهم الإلكترونية و غيرها و أقر أننا مدينون لها ، لأنها أحيت فينا ما كاد أن يموت و نبهتنا الى ما كنا غافلين عنه من تراث آبائنا و أجدادنا الموالون لأهل البيت عليهم السلام ، فكم من مصدر و مرجع كان بمتناولنا لم نلق له بالا قد أحالتنا عليه و هو يؤيد أو يشير أو يصرح بأطروحة و مذهب أهل البيت عليهم السلام و هو غالبا محسوب على المذهب السائد ، غير أن هذه المصادر لا تكفي المؤمن الموالي ليأخذ عقائده و يتعلم تكاليفه الشرعية العبادية و المعاملاتية و غيرها و فق مدرسة أهل البيت عليهم السلام، فليجأ الى المتوفر و الممكن من خلال الانترنيت و الفضائيات الشيعية ليتزود منها ، لأن علوم و معارف و سير و تراث أهل البيت عليهم السلام عمل على حفظها و تطويرها و تحديثها و تجديدها وتدريسها و نشرها علماء مدرستهم في حوزاتهم العلمية بالمشرق الاسلامي في العراق و ايران و لبنان و البحرين و سوريا اضافة الى اليمن الذي يوجد به الشيعة الزيدية ، ما الحيلة و حتى الكتاب الشيعي ممنوع في مكتباتنا ؟.
ملحوظة : الحوار ما زال جاريا …………..
سينشر الجزء الثاني من الحوار الشامل في الأسبوع المقبل إن شاء الله وسوف يكون شاملا جميع القضايا.