(…قال إن له غيبة تكثر أيامها ويطول أمدها فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون ويستهزئ به الجاحدون ويكذب فيها الوقاتون ويهلك فيها المستعجلون وينجو فيها المسلمون). تنبيـــــــــــــــــــــه في غاية الأهمية : موقع العرفان والانتظار مستقل عن أي مجمع أوهيئة أو فرقة أو جماعة أو مذهب أو طائفة أو مؤسسة أرضية .
Monthly Archives: فيفري 2016
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وألعن أعداءهم من الأولين والآخرين
جواز القبول في دولة الإمام المهدي عليه السلام
السيد : يوسف العاملي

رفض الظلم وحب الله وأهل الله هي أساس كل حركة إلهية غيبية.
إذا أجتمعت هذه العناصر الثلاثة في شخص كان حسينيا . وإذا كان حسينيا كان مهدويا .
الحب بمعناه الباطني هو سر الوجود كله لهذا يصعب تفسير ماهيته.
الحب ليس كما هو نعتقد أو نشعر أو نحس إنه الصانع لكل حركة واعية في الوجود.
جميع العرفاء عرفوا الحب بتعريف إلهي وبالتالي فحب العرفاء ليس هو الميل أو الاستئناس أو الرغبة أو الشهوة.
الوعي بالوجود لا يتم إلا بتعريف إلهي وهذا التعريف هو قوله تعالى في الحديث القدسي ((ما وسعني سماواتي ولا أرضي ولكن وسعني قلب عبدي المــــــــــــــؤمــــــــــــن ))
قلب عبد الله المؤمن هو سر الوجود كله وسر مملكة الإنسان أيضا الحاملة لهذا الوجود .
الله مؤمن بلا نهاية كما جاء في دعاء لمولانا زين العابدين عليه السلام .( يا مؤمن بلا نهاية )
المؤمن بالذي هو مؤمن بلا نهاية هو عبد الله.
عندما نقول عبد الله يعني الإنسان الكامل الكامل في الإيمان بالله.
الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وصفه الله بالعبد في قوله (( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى)).
الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم هو عبد الله المؤمن وكل ما سواه فهو يدخل في هذا المعنى بقدر اتباعه للرسول وحبه وسعة وجوده.
بقدر حبك للرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الكرام الأربعة عشر( رمز الوجود أنظر إلى مفاصل يدك الأربعة عشر ) تكون قد دخلت في الوجود الحقاني الموجب لكل رفعة إلهية.
دولة الإمام المهدي عليه السلام هي الرافعة والخافضة أيضا كيف ذلك ؟
بِسمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْس لِوَقْعَتهَا كاذِبَةٌ (2) خَافِضةٌ رّافِعَةٌ (3). سورة الواقعة
فسر أغلب العلماء الواقعة بالقيامة .
وفسر آخرون أن الساعة هي القيامة المتوسطة بين الموت الطبيعي والرجعة والقيامة الكبرى والرجوع الأبدي إلى بارئ كل شيء ومبتدئه.
الدخول في الرفع الالهي هو جواز القبول في دولة المهدي عليه السلام والتي هي جنة آدم الأولى التي كانت على الأرض ولم تكن في السماء .
الدخول في شجرة الوحدة النورانية المباركة التي هي أصل كل شيء هو ما يسعى إليه عرفاء مدرسة أهل البيت عليهم السلام عبر السلوك الإلهي الممنهج والمعتدل والبعيد عن الخرافة والعجب.
جاء في دعاء الندبة (( أنا وأنت يا علي من شجرة واحدة وسائر الناس من شجر شتى)).
الصوفية بقدر ما أعجبوا بأنفسهم أصبحت علومهم الحقانية هي خرافة عند الكثير من الناس . فطي الطريق وطي الزمان وطي النفوس هي حقائق عند أهل الله لكن وهي في نظر سائر الناس تبقى خرافة .
بين الخرافة والعجب ضاعت حكمة أهل الله وضاع معها كل شيء رافع لرفاهية حياة الإنسان والوعي بالوجود.
السلوك الواعي في مدرسة اهل البيت عليهم السلام هو المؤهل لركوب سفينة النجاة سفينة أهل البيت عليهم السلام فالذي ضيع نفسه في زمن الدنيا ، لا يمكنه أن يدرك الزمن الأول الذي هو حب الحسين عليه السلام ، فالوعي بالإنسان لا يتم إلا بمن هم قائمون بحقيقة الإنسان ( الإنسان= الأنس + الآن = الأنس في الزمان ) .
الإنسان الحامل لسر مملكة الوجود هو له طرفان حديان في الزمن ، فالطرف والحد الأول هو الحسين عليه السلام والحد والطرف الأخير هو المهدي عليه السلام بدون معرفة الحسين عليه السلام ومعرفة المهدي عليه السلام لا يمكن معرفة الإنسان.
الإنسان هو منظومة وجودية في الزمان بدون معرفة الزمان وأهله أهل البيت عليهم السلام لا يمكن للإنسان الإبحار في هذه المنظومة الوجودية الإلهية .
حتى الخرافة التي تحكيها الجدة لصغارها هي أمر وجودي فبدون الخرافة لا ينام الصغار وبدون الليل والنهار لا يستطيع الإنسان أن يتكيف مع حقيقة وجوده.
بالإنسان كانت الخرافة خرافة وكانت الحقيقة حقيقة وكان الواقع واقعا وكان الوجود واعيا .
في عصر الإمام المهدي عليه السلام الذي وصفه الفيلسوف الياباني فوكوياما بالمستقبل ستكون علوم مهدوية وهذه العلوم هي خلاصة العصور والدهور التي عاشها الإنسان في الزمان كله.
يصرح فوكوياما هذا صاحب نظرية نهاية التاريخ بأن الشيعة تعيش في المستقبل لأنها تنتظر المخلص الإمام المهدي عليه السلام وتعيش في الماضي لأنها تعرف الإمام الحسين عليه السلام
فيا أيها الإنسان إن زمن قيلولتك هو زمن وعيك الكلي فلا تضيعه في عجبك الآهي في حظ وجودك.
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وألعن أعداءهم من الأولين والآخرين
السلام عليكم ورحمته وبركاته
الإمام المهدي عليه السلام وأَسرار الطبيعة
السيد : يوسف العاملي

من المعلوم والواجب علمه في علاقتنا مع الغيب، أنه يحمل للإنسان كل خير مادام الإيمان به إيمانا نابعا من وعد إلهي حكيم، يريد بنا أن نرى في نفوسنا عظمته غير المتناهية، والمليئة بالأسرار الإلهية والكونية. كل تلك الأسرار مودعة في حكمة تحكمها نواميس عادلة تجعل منا كائنات راغبة في رغبة الله، فاهمة مصدر إيجادها ومنتهى مآلها الأبدي. فالمصدر هو الله والمآل هو الله وفي كل هذا سر رابط يجمع بين المصدر والمآل وهو التحقق بماهية النفس الإنسانية الكلية. ولكي تتحقق بهذه النفس الإنسانية الكلية لا بد لنا من فهم علاقتنا مع الكون ومع رب الكون.

ولا يتم لنا ذلك إلا عبر الاتصال بحضرة الإنسان الكامل الجامع لكل سر وجودي وفهم إلهي.
كونية الانتظار
بعد اكتشاف الخريطة الجينية والو راثية، وبعد اكتشاف أصغر جزء مادي أصبح كل الخبراء والعلماء في حيرة من مصير الإنسان، وبدا الأمر أشبه بالمستحيل الممكن، فعلم الخيال العلمي الغربي في السبعينيات أصبح حقيقة على مشارف القرن الواحد والعشرين، وبدا الكون وكأنه في مهرجان من الكشوفات التي سوف لن تنتهي، مادام العقل البشري في فعل وفي فهم وفي إدراك وفي علاقة مع قوى الكون الفاعلة، ومع كل ذلك نجد هذا الكون قد أصبح صغيرا جدا. فكثرة السكان وكثرة الأفكار وكثرة المعارف وكثرة التجارب وكثرة التطلعات وكثرة التناقضات، فصلت هذا الكائن الإلهي (الإنسان) عن القوى الطبيعية التي تتحكم في فطرته السليمة، وبالتالي صار مرة أخرى صغيرا في فهمه الكلي لمجريات الأمور. فما الحل الذي سوف يدير حركة الكون مرة أخرى، وهاهو كل شيء أصبح مكشوفا لدى الخبراء والعلماء؟ فلم يعد للإنسان والكون سوى الانتظار. انتظار الغيب طبعا.

زمن اللقاء بين العلم والغيب والغيب بالعلم:
كشف العلم التجريبي الكثير من الأمور التي كانت في الغيب، لا يعرفها الإنسان، فأصبح بتلك الكشوفات يدرك بعض أسرار الكون والحياة، لكن معظم تلك الأسرار سوف لن تدرك مادام الإنسان مفصولا عن القوى الطبيعية التي تمنحه التناغم مع وجوده الأسمى، يوجد لدى الإنسان الغربي كل وسائل العيش الرغيد والمرفّه والسهل، لكنه في كل ذلك يملؤه الخوف من المستقبل والمجهول، وذلك راجع لتراجع إيمانه بالغيب. فعندما كثرت كشوفاته الكونية فَفُتن بها وضاعت هويته التي توحده مع خالقه.
فكما تلقى آدم كلمات من ربه فتاب عليه، سوف يتلقى الكونُ والإنسانُ كذلك كلمةَ الله المخلصة والأبدية لتسرع به في دورة مليئة بالأسرار الوجودية بعدما كان وجوده مليئا بالكشوفات الكونية.(١) الكشف الكوني والسر الوجودي:
في الحرب الأخيرة خبر حزب الله سلاحه المتمثل في الجوشن الصغير، وجربت القوى الشيطانية كل أسلحتها المادية، فكانت النتيجة باهرة وأعجزت عقول الماديين الذين طالما سخروا من قوة الروح المتقدة بالإيمان بالغيب، لقد كشف الإنسان مِساحة تواجده، ومسح كل ظلام ومجهول بواسطة مادته الدماغية، لكن الإنسان ليس مادة فحسب، وهذا كشف كشفته المادة نفسها عندما أدركت نهايتها ونهاية دورها الوجودي. فالإنسان جوهر وجودي مكون من المادة والروح، لذا فهو مدعو لمعرفة كيانه السِرّاني بواسطة الروح الخالدة بعدما كان يتعرف على موقعه الوجودي بواسطة مادته العقلية.
فالكشف للمادة والسر للروح.

الخلاصة:
جاء في بعض الروايات أن في زمن ظهور الإمام المهدي عليه السلام سيتم الاتصال بعوالم أخرى ومجرات أخرى بعيدة عن مجرتنا. وذلك ناتج عن كون الإنسان وصل إلى أوج التقدم التكنولوجي والمادي. فعندما نكون قد وصلنا إلى نهاية مادتنا الأرضية بوعينا الأرضي نكون في ذلك قد وصلنا إلى معرفة كل الأبعاد الكونية حسب قانون وحدة المادة الكونية. فنهاية المادة يعني إدراك الأبعاد الكونية، لكن هذا الإدراك سيبقى معطلا مادام الإنسان لم يدرك جزأه الأعلى والأسمى الذي لا يمكن خبرته إلا بواسطة الروح الكونية والكلمة الإلهية المرسلة للإنسان الأرضي، ليدرك كونية الإنسانية الخالدة المكونة من شاعرية المعري وعلمية أنشتاين.
الهوامش
(١) حقق في محله أن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه هي أسماء الأئمة عليهم السلام فدعا بهم ليتوب الله عليه، ولعل الكاتب أراد أن يربط بين تلقي آدم هذه الكلمات وبين تلقي الإنسان كلمة الله وهو المهدي عليه السلام ليسعد الانسان بهذه الكلمة الإلهية كما سعد آدم بالتوبة عليه.
——————————————–
الصور من مدينتي باب المقام المغرب
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وألعن أعداءهم من الأولين والآخرين
السلام عليكم ورحمته وبركاته
من هم المؤمنون في آخر الزمان؟
السيد : يوسف العاملي

الإيمان بالغيب هو الإيمان الحقيقي وإلا فكل الناس مؤمنون.
الإيمان بالغيب هو الإيمان الحقيقي وليس ما تعارف عليه عامة العباد على اختلاف مذاهبهم ومناهجهم وطوائفهم ودياناتهم.
الإيمان بالغيب هو الهداية الحقيقية في قوله تعالى ((الم (1) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ…)) .
الغيب هو صاحب الزمان عليه السلام وعجل الله فرجه وسهل مخرجه وكثر جنده.
المؤمنون بالمهدي عليه السلام هم من يرون الأشياء على حقيقتها لأنهم يرون بنور الإنسان الكامل المغيب في الأوهام والحاضر بالقوة الوجودية في واقعنا.
في علم الفيزياء تغيب قوانين حاكمة وبقدر ما يستطيع علماء الفيزياء اكتشافها بقدر ما يرون الأشياء على حقيقتها هذا في ما يخص عالم المادة ، أما في ما يخص عالم الروح الذي هو أكبر وأوسع من عالم المادة والذي كل قوانينه هي من عالم الأمر ، فبقدر ما يكون العبد قريب من حضرة الإنسان الكامل ، يكون في خير وجودي لا مثيل له على الإطلاق ، فالقرب من الواحد المتكثر هو التوحيد الحقيقي الذي يوجب الوحدة مع أصل الأشياء كلها.
—الواحد المتكثر— هو مصطلح عرفاني جاء في حديث مولانا الإمام الرضا عليه السلام مع رأس الجالوت ( انظروا للحوار في كتاب التعليقة على الفوائد الرضوية لروح الله الموسوي الخميني رضوان الله عليه ). وهو يعني أن في الواحد كل الأعداد وأن كل الاعداد تحتاج إلى الواحد وبالتالي فهو واحد ومتكثر.
الموجود بالقوة والفعل في الواقع والحقيقة هو شخص الإمام المهدي عليه السلام والذي يغيب عن هذه الحقيقة هو الكافر بها.
بقدر ما يؤمن الإنسان العبد بالمهدي عليه السلام يحضر في هذا النور المتجلي والباهر والغائب عن أصحاب القلوب المنكرة ، لهذا نجد مفارقة كبيرة بين المؤمنون والكافرون بهذه الحقيقة.
فالمؤمنون بهذه الحقيقة الإلهية هم في خير وجودي لا مثيل له حيث يرون الأشياء على حقيقتها، أما المنكرون فهم كجمهور كرة القدم يزينون الملاعب بحضورهم ، لكن في كل الأحوال لا يستطيعون اللعب وإن كان حضورهم بقدر ما يؤثر في سير المقابلات لهذا يسميهم العرفاء بالعدم الظاهر.
المؤمن بالمهدي عليه السلام هو العارف الحقيقي ، فعالم الكيمياء هو الشخص الوحيد الذي يستطيع تفادي المصائب الكبرى الذي يحدثها الجهل بخواص الأشياء المستعملة في حياتنا ، فالجاهل بالبنزين قد يجعل البنزين يحرقه من حيث لا يعلم.
اللهم أرني الأشياء على حقيقتها . وأجعلنا من أولياء صاحب الأمر مولانا الإمام المهدي عليه السلام وعجل الله فرجه وسهل مخرجه.
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وألعن أعداءهم من الأولين والآخرين
السلام عليكم ورحمته وبركاته
الصفات المعنوية لأصحاب صاحب الزمان عليهم السلام

في كتاب الأصول الستة عشر من الأصول الأولية في الروايات وأحاديث أهل البيت عليهم السلام عن زيد، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: نخشى ان لا نكون مؤمنين قال: ولم ذاك؟ فقلت: وذلك إنا لا نجد فينا من يكون أخوه عنده آثر من درهمه وديناره ونجد الدينار والدرهم آثر عندنا من أخ قد جمع بيننا وبينه موالاة أمير المؤمنين عليه السلام فقال: كلا إنكم مؤمنون ولكن لا تكملون إيمانكم حتى يخرج قائمنا فعندها يجمع الله أحلامكم فتكونون مؤمنين كاملين، ولو لم يكن في الأرض مؤمنين كاملين إذاً لرفعنا الله إليه وأنكرتم الأرض وأنكرت السماء، بل والذي نفسي بيده ان في الأرض في أطرافها مؤمنين ما قدر الدنيا كلها عندهم تعدل جناح بعوضة ولو ان الدنيا يجمع ما فيها وعليها ذهبة حمراء على عنق أحدهم ثم سقط من عنقه ما شعر بها أي شيء كان على عنقه ولا أي شيء سقط منه لهوانها عليهم، فهم الخفي عيشهم المنتقلة ديارهم من أرض إلى أرض الخميصة بطونهم من الصيام الذبلة شفاههم من التسبيح العمش العيون من البكاء الصفر الوجوه من السهر فذلك سيماهم مثلاً ضربه الله مثلاً في الإنجيل لهم وفي التوراة والفرقان والزبور والصحف الأولى وصفهم فقال: (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِْنْجِيلِ) عنى بذلك صفرة وجوههم من سهر الليل، هم البررة بالإخوان في حال اليسر والعسر، المؤثرون على أنفسهم في حال العسر، كذلك وصفهم الله فقال: (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فازوا والله وأفلحوا إن رأوا مؤمنا أكرموه وإن رأوا منافقاً هجروه إذا جنّهم الليل اتخذوا أرض الله فراشاً والتراب وساداً واستقبلوا بجباههم الأرض يتضرعون إلى ربهم في فكاك رقابهم من النار فإذا أصبحوا اختلطوا بالناس لم يشر إليهم بالأصابع تنكبوا الطرق واتخذوا الماء طيباً وطهوراً أنفسهم متعوبة وأبدانهم مكدورة والناس منهم في راحة فهم عند الناس شرار الخلق وعند الله خيار الخلق إن حدثوا لم يُصدقوا وإن خطبوا لم يُزوجوا وإن شهدوا لم يُعرفوا وإن غابوا لم يفقدوا، قلوبهم خائفة وجلة من الله ألسنتهم مسجونة وصدورهم وعاء لسر الله إن وجدوا له أهلا نبذوه إليه نبذا وإن لم يجدوا له أهلا ألقوا على ألسنتهم أقفالاً غيبوا مفاتيحها وجعلوا على أفواههم أوكية، صلب صلاب أصلب من الجبال لا ينحت منهم شيء خزان العلم ومعدن الحلم والحكم وتباع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، أكياس يحسبهم المنافق خرساء وعمياء وبلهاء وما بالقوم من خرس ولا عمى ولا بله، إنهم لأكياس فصحاء حلماء حكماء أتقياء بررة صفوة الله أسكنتهم الخشية لله أوعيتهم ألسنتهم خوفاً من الله وكتماناً لسره فواشوقاه إلى مجالستهم ومحادثتهم، يا كرباه لفقدهم ويا كشف كرباه لمجالستهم، اطلبوهم فان وجدتموهم واقتبستم من نورهم اهتديتم وفزتم بهم في الدنيا والآخرة هم أعز في الناس من الكبريت الأحمر حليتهم طول السكوت بكتمان السر والصلاة والزكاة والحج والصوم والمواساة للإخوان في حال اليسر والعسر فذلك حليتهم ومحبتهم يا طوبى لهم وحسن مآب، هم ورّاث الفردوس خالدين فيها ومثلهم في أهل الجنان مثل الفردوس في الجنان وهم المطلوبون في النار المحبورون في الجنان فذلك قول أهل النار مالنا لا نرى رجالاً كنا نعدهم من الأشرار فهم أشرار الخلق عندهم فيرفع الله منازلهم حتى يرونهم فيكون ذلك حسرة لهم في النار فيقولون يا ليتنا نرد فنكون مثلهم فلقد كانوا هم الأخيار وكنا نحن الأشرار فذلك حسرة لأهل النار.
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وألعن أعداءهم من الأولين والآخرين
السلام عليكم ورحمته وبركاته
دولة الإمام المهدي عجَّل الله تعالى فرجه هي جنَّة آدم عليه السلام
نتيجة البحث دولة المهدي عليه السلام
العلامة
المجاهد الشيخ إبراهيم الأنصاري حفظه الله

من خلال ما بيَّنّا نستنتج الأمور التالية :
1-إن الله سبحانه إنّما خلق آدم عليه السلام و أمر الملائكة جميعاً أن يسجدوا له ، فلأجل أن يخرجَ من صلبه نور محمَّدٍ وأهلِ بيته عليه وعليهم الصلاة السلام و لذلك ورد في الحديث القدسي لولاك لما خلقت الأفلاك .
2-إنَّ الله أسكن آدم و حواء جنته وهي في الأرض حيث كانت تخيم عليها النورانية والمعنوية ، و أراد منهما أن يبقيا فيها فيأكلا منها حيث شاءا رغداً و لا يقربا الشجرة فيكونا من الظالمين .
3-إنَّ إبليس لأنَّه عصى أمر الله أطرده سبحانه من جوار رحمته فأخذ يوسوس في آدم و زوجته و أراد منهما أن يقربا تلك الشجرة فقربا فبدأت لهما سوآتهما و زالت عنهما تلك النورانية التي كانا فيها و ابتلى آدم وذريته بالحياة المادية الخشنة حيث هبط من الجنَّة ، و هبوط الإنسان من الجنَّة لا يعني إلاّ زوال تلك النورانيَّة التي كان يمتلكها عندما كان يعيش بجوار ربِّه .
4-من أجل سدِّ الثغور التي حدثت جرّاء خروج آدم من الجنَّة شرع الله سبحانه التكاليف الكثيرة و الأحكام المتنوِّعة .
5-إنَّ الغاية المنشودة من إرسال الرسل و إنزال الكتب هي رجوع بني آدم مرَّةً أخرى إلى جنَّته .
6-نجح موسى عليه السلام مرَّة أخرى حيث أرجع بني إسرائيل إلى تلك الجنَّة فكانوا يتظللون بالغمام و تنزل عليهم المن والسلوى ولكنَّهم طمعوا في البقل و القثاء وغيرها من متاع الدنيا فاهبطوا مصراً و رجعوا فيما كانوا عليه من الظلمة .
7-استمرَّ الهبوط إلى أن بعث الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلَّم فتمكَّن صلوات الله عليه من إرجاع الناس إلى جنَّة آدم إلاّ أنَّ السقيفة أفشلت جميع ذلك فاستمرَّت حالة الهبوط إلى يومنا هذا .
8-إنَّ العيش في الدنيا كمتاع ليس هو إلاّ إلى حين و الحين إنّما هو مقطعٌ من الدهر داخلٌ فيه لا خارج عنه .
9-الدهر يتعلَّق بعالم ما قبل قيام القيامَّة ذلك العالم المشتمل على الزمان والمكان الذين هما من عوارض الجسم و الجسماني .
10-إنَّ صلاحية الحاجات التِّي نفتقر إليها في حياتنا الدنيويَّة إنَّما هي إلى ذلك الحين فقط .
11-أنَّ أكثر المعاصي ناشئة من وساوس الشيطان فمع هلاكه لا يبتلي عامَّة الناس بالمعصية .
12-قوام الدنيا بالدناءة و الرذيلة والمعصية فمع قمع جذورها فلا دنيا و إن كانت هناك أرضٌ وسماءٌ .
13-إنَّ تواجد الإنسان بعد ذلك على الأرض واستقراره عليها لا يعني أنَّه يعيش الحياة الدنيا .
14-الحلُّ الوحيد للرجوع إلى الله و العيش في جواره في ظل رحمته الواسعة هو ذكر الله و ذكر رحمته التي كان الإنسان يتنعَّم بها و الذكر هو الغاية النظرية لجميع العبادات .
15-إنَّ الذكر هو العامل الرئيسي للرغبة في ما افتقده الإنسان من النورانيَّة التي كان يعيشها في الجنَّة 15-إنَّ الله وعد آدم أن يردَّه إلى جنته كما قال علي عليه السلام: {ثم بسط الله سبحانه له في توبته و لقّاه كلمة رحمته ووعده المرد إلى جنته }(1)
16-إنَّ إبليس لا يبقى حيّاً إلاّ إلى يوم الوقت المعلوم وحينئذٍ سوف يقتل .
17-إنَّ يوم الوقت المعلوم هو يوم ظهور الحجَّة عليه السلام.
وخلاصة القول أنَّ الله سوف لا بدَّ و أن يُحيي الأرض بعد موتها إحياءً بالمعنى التام للكلمة، وفي الحديث (عن أبي جعفر عليه السلام في قوله عز وجل اعلموا إنَّ الله يحيى الأرض بعد موتها يعنني بموتها كفرَ أهلِها و الكافرُ ميِّتٌ فيُحييها اللهُ بالقائم فيَعدلُ فيها فتحيى الأرض ويحيى أهلها بعد موتهم)(2) .
و قد وعد الله تعالى عباده بأنَّهم (لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً)(3) وأيضاً قال (ولو انهم أقاموا التوراة والإنجيل وما انزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة و كثير منهم ساء ما يعملون)(4)

بعض صفات دولة المهدي
ومع التأمّل في الأحاديث التِّي وردت في توصيف دولة الإمام المهدي عليه السلام نلاحظ أنَّ مواصفات تلك الدولة المباركة لا تتلاءم مع الدنيا التي نعيش فيها بل تنسجم تماماً مع الجنَّة التِّي كان يعيش فيها آدم عليه السلام ، فنشير إلى بعض تلك المواصفات:
وصول الإنسان إلى كماله المعنوي
وفي هذا المجال قد وردت أحاديث كثيرة نكتفي ببعضها ففي الكافي بإسناده عن (أبي جعفر الباقر عليه السلام قال إذا قام قائمُنا وضع يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولَهم و كمُلت بها أحلامُهم)(5)
ولا يخفى أنَّ وضع اليد على رؤوس العباد كناية عن النظر إليهم نظرة رحيمة بها تفيض النورانيَّة والمعنوية منه عليه السلام عليهم و ذلك بعد وصولهم إلى مستوى العبودية التي بها يتمكَّنون من قبول تلك الفيوضات الإلهيَّة ، كما أنَّ اجتماع عقولهم يعني وصولهم إلى مرتبة رفيعة من الحذاقة و الحكمة بحيث يمكنهم تحمُّل ذلك الأمر كما سيأتي في بيان قولهم عليهم السلام أنَّ أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ مَلَكٌ مقرَّب أو نبيٌ مُرسَلٌ أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان وفي بعضها أو مدينه حصينة وعندما يسأل الراوي عن المدينة الحصينة يجيبه الإمام الصادق عليه السلام بأنَّها القلب المجتمع
وهذه الصفة التي يتصف بها أصحاب الحجَّة عليه السلام ليست من الصفات التي يتمكَّن الإنسان و هو في عالم الطبيعة و سجن الدنيا أن يكتسبها بل هي صفةٌ نورانيَّة و حالةٌ معنويَّة لا يصل إليها إلاّ من هاجر عالم الطبيعة و انتقل إلى عالم المعنى فرجع إلى الله تعالى، وهذا لا ينافى كونه على وجه الأرض لأنَّ عالم المُلك لا يتحكَّم في مثل هذا الإنسان كمّا مرَّ تفصيله.
مشاهدة المؤمنين بعضهم بعضاً
وفي هذا المجال أيضاً وردت أحاديث كثيرة منها ما ورد في الكافي
(عن أبي الربيع الشامي قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إنَّ قائمنا إذا قام مد الله عز وجل لشيعتنا في أسماعهم و أبصارهم حتى لا يكون بينهم وبين القائم بريد يكلمهم فيسمعون وينظرون إليه وهو في مكانه)(6)
والمستفاد من هذا الحديث أنَّ القدرة التِّي تُكتسب آن ذاك ليست هي قدرةٌ ماديَّة يصل إليها الإنسان من منطلق العلم والتكنولوجيا كما يتصوَّر من ليس له إلمام بواقع الشريعة المقدَّسة و يحاول أن يفسِّرَ كلَّ شئ من منظاره المادِّي الضيِّق فيفسِّر مثل هذه الأحاديث بانتشار أجهزة التلفزيون والإنترنت وما شابه ذلك!! بل الأمر فوق مستوى هذه التخيُّلات الباطلة الزائفة إنَّها قدرةٌ إلهيَّة وقوَّةٌ ربّانية تابعة من مبدأ الكون بنحو مباشر ذلك الذي إذا أراد شيئاً يقول له كنْ فيكون ولذلك نلاحظ اختصاصها بخصوص الشيعة كما ورد في الحديث لشيعتنا فهم الذين يهمُّهم هذا الأمر فيتميَّزون بهذه الصفات حيث يسمعونه عليه السلام و ينظرون إليه و هو في مكانه من غير بريدٍ ولا يفرق ذلك بين ما إذا كانوا يعيشون في حياةً مدنيَّةً يمتلكون تلك الأجهزة أو كانوا من أهل القرى والبوادي لم يحضوا من الكهرباء فضلاً عن الأجهزة الكهربائيَّة، فالسبب لوصولهم إلى ذلك المستوى في السمع والبصر ليس هو إلاّ كونهم موالين لذلك الإمام روحي له الفداء والسائرين على نهجه القويم.
وأمّا غير الشيعة فلا يصلوا إلى ذلك المقام مهما ارتفعت مستواهم المادي وكثرت إمكانيّاتهم الظاهريَّة، فإذاً هذه الحالة المميَّزة هي حالةٌ معنوية بحتة لا دخل للمادة وعوارضها في ذلك أصلاً ولم يحدث هذا الأمر إلاّ لأنَّ العالم الذي يعيشه المؤمن آن ذاك هو أعلى مستوى من عالم الدنيا الذي هبط فيه آدم وبنوه بل هو جنَّة آدم عليه السلام التي بعث جميع الأنبياء لأجل إرجاع الناس إليها.
وفي حديث آخر عن ابن مسكان قال (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إنَّ المؤمن في زمان القائم وهو بالمشرق ليرى أخاه الذي في المغرب وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي في المشرق)(7)
و هذا الحديث أيضاً يؤكِّد أنَّ الذي سوف يكتسب تلك المواصفات إنّما هو المؤمن لا غيره من الناس و ذلك في خصوص زمان القائم عليه السلام فهو يرى أخاه فهذه الرؤية إنّما هي رؤية معنوية نابعة من إيمانه من ناحية وبلوغه ذلك الزمان من ناحيةٍ أخرى.
ثمَّ إنَّ الأخوَّة في ذلك الزمان ليس هي الأخوَّة النسبيَّة الناشئة من الولادة بل هل نوع خاص من الأخوَّة أشار إليها الإمام الصادق عليه السلام في قوله
(إنَّ الله تبارك وتعالى آخى بين الأرواح في الأظلَّة قبل أن يخلق الأجساد بألفي عام فلو قد قام قائمنا أهلِ البيت ورث الأخ الذي آخى بينهما في الأظلة و لم يورث الأخ في الولادة)(الفقيه ج4 ص352 رواية5761 باب2).
أقول: إنَّ عالم الأظلة هو عالم ما قبل انتقال الروح إلى الجسد وهو ذلك الحين الذي كان الإنسان شيئاً غير مذكور وغير معروف وهو العالم الذي يطلق عليه العرفاء بعالم ألست إشارة إلى قوله تعالى (ألست بربكم قالوا بلى)(8) تفصيل الحديث عن ذلك العالم يُطلب في محلِّه .
و في حديث أبي بصير قد ذكر الإمام عليه السلام سرَّ ما قد مرَّ فقال أبو بصير (قال أبو عبد الله عليه انه إذا تناهت الأمور إلى صاحب هذا الأمر رفع الله تبارك وتعالى له كل منخفض من الأرض وخفض له كل مرتفع حتى تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته فأيُّكم لو كانت في راحته شعرةٌ لم يُبصرها)(9)
فمع التأمُّل في هذا الحديث نعرفُ نقاطاً كثيرة نشير إلى بعضها، فقوله إذا تناهت الأمور يدلُّ على أنَّ في بداية ظهوره ليس الأمر كذلك وبذلك يمكن تفسير الأحاديث التي ربَّما يُستشمُّ منها خلاف ما نحن بصدد إثباته فهي إنَّما تشير إلى ما قبل أن تستقرَّ الأمور ويُظهر الله الدين على الدين كلِّه، وأمّا بعد ذلك فالحالة تنعكس تماماً فيرجع المجتمع الإيماني بأكمله إلى الله سبحانه وتعالى .

ثمَّ لا تخفى عليك لطافة المناسبة بين قوله عليه السلام إذا تناهت الأمور وبين قوله إلى صاحب هذا الأمر وأمّا قوله عليه السلام رفع الله يدلُّ على أنَّ ذلك أمرٌ إلهي لا تحكمه السنن الماديَّة مضافاً إلى كلمة له في قوله عليه السلام رفع الله تبارك وتعالى له .. وأيضاً خفض له، فهي تشير إلى أنَّ ذلك يختص به عليه السلام فهو الذي يرى الأرض هكذا، وألطف من ذلك كلِّه قوله عليه السلام حتى تكون الدنيا عنده فالدنيا خاصَّة لا الأرض تكون عنده وقدَّ مرَّ تفصيل الفرق بين الدنيا والأرض ، كما أنَّ الدنيا لا تكون عند غيره كذلك والحاصل أنَّ هذا الحديث أيضاً يؤكِّد على ما أثبتناه من أنَّ دولة المهدي و إن كانت في الدنيا إلاّ أنَّ الظواهر المُلكيَّة الدنيويَّة لا تأثير لها في حكومته عليه السلام .
التوسعة الزمانيَّة
ففي رواية أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام أنَّه (يمكث على ذلك سبع سنين مقدار كل سنه عشر سنين من سنيكم هذه)(10) وفي حديث آخر عن الصادق عليه السلام (يكون سبعين سنة من سنيكم هذه)(11)
أقول: اختلاف السنة عن سنين الدنيا يدلُّ أ نَّ دولته ليست دولة دنيوية و إن كانت هي على الأرض بل المخيِّمُ على تلك الدولة هو نورٌ إلهيٌّ والمتسلِّطُ على تلك الحكومة معنويَّةٌ ربّانيَّةٌ خارجة عن أطر الزمان والمكان، فمن الواضح حينئذٍ أن تكون سنتها عشر سنين أو سبعين سنة.

ظهور الملائكة والجن للناس
وفي الحديث الطويل الذي ينقله المفضل بن عمر قال:
(يا سيدي وتظهر الملائكةُ والجنُّ للناس؟ قال إي والله يا مفضَّل و يخاطبُونهم كما يكون الرجل مع حاشيته و أهله ، قلت يا سيِّدي و يسيرون معه؟ قال إي والله يا مفضَّل)(12)
و من المعلوم أنَّه ليس من شأن الملائكة و الجن أن يظهروا للناس كافَّة بما أنَّهم في الدنيا يعيشون في هذا العالم المادي لأنَّ الملائكة خُلقوا من نور لا علاقة لهم إلاّ مع من يمتلك النور المعنوي و أيضاً ليس من طبيعة الجن الانسجام مع عامَّة الناس كما هو ثابت في محلِّه.
فإذاً دولة الإمام عليه السلام ليست ضمن الدنيا بل كما أثبتنا هي دولةٌ تحيطها حالةً خاصَّة نورانيَّة خارجة عن إطار المادَّة والماديّات.
ذهاب العاهة و تقوية القلوب
نقل الشيخ الصدوق في كتابه الخصال:
(عن ابن الوليد عن الصفار عن الحسن بن على بن عبد الله بن المغيرة عن العباس بن عامر عن ربيع بن محمد عن الحسن بن ثوير بن أبي فاختة عن أبيه عن على بن الحسين عليه السلام قال إذا قام قائمنا أذهب الله عز و جل عن شيعتنا العاهة و جعل قلوبهم كزبُر الحديد و جعل قوه الرجل منهم قوة أربعين رجلا و يكونون حكّام الأرض و سنامها)(13)
و الملاحظ في هذا الحديث نفس ما كان في الأحاديث السابقة حيث نسب الإمام عليه السلام ذهاب العاهة إلى الله مباشرةً فقال أذهب الله عز و جل فهو أمرٌ إلهي غير خاضع للقوانين الطبيعيَّة ومن هنا اختصَّت بالشيعة فحسب عن شيعتنا وأمّا كلمة جَعَل الوارد في الحديث فالظاهر أنَّ المراد منه هو الجعل التكويني لا الجعل التشريعي، وبما أنَّهم وصلوا إلى هذا المرتبة السامية صاروا حكّاماً على الأرض.
و مثل هذا الحديث هو ما ورد في شأن لوط عليه السلام عن
(ابن مسرور عن ابن عامر عن عمه عن ابن ابى عمير عن على بن أبي حمزة عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله عليه السلام ما كان يقول لوط عليه السلام (لو أنَّ لي بكم قوة أو آوى إلى ركنٍ شديدٍ)(14) إلاّ تمنِّياً لقوة القائم عليه السلام و لا ذَكَر إلا شدة أصحابه فإنَّ الرجل منهم يُعطى قوة أربعين رجلاً و أنَّ قلبَه لأشدَّ من زبر الحديد و لو مروا بجبال الحديد لقطعوها لا يكفون سيوفهم حتى يرضى الله عز و جل)(15)
و قد مرَّ أنَّ أهل البيت عليهم السلام بما فيهم المهدي من ولد فاطمة عليهما السلام كانوا معروفين لدى كافة الأنبياء وكذلك دولته المباركة كانت معروفة لديهم . و أمّا الذي يعطيهم هذه القوَّة فهو الله سبحانه بحيث لو مرُّوا بجبال الحديد لقطَّعوها ومن هنا نستنتج بأنَّ الأربعين المذكورة في الحديث إنَّما هي إشارة إلى القوَّة الخارقة للعادة فحسب فهي خارجة عن إطار الجسمانيّات بل هي قوَّة روحانيَّة ملكوتيَّة و ليس الكلام فيه مبالغة أصلاً.
نزول البركات و التآلف بين الحيوانات
وفي هذا المجال وردت أحاديث كثيرة نذكر ثلاثةً منها فقد ورد في حديث (تعطى السماء قطرها والشجر ثمرها والأرض نباتها وتتزين لأهلها وتأمن الوحوش حتى ترتعي في طرق الأرض كأنعامهم)(16) و في حديث آخر (عن زيد بن وهب الجهني عن حسن بن على بن أبى طالب عن أبيه صلوات الله عليهما قال يبعث الله رجلا في آخر الزمان ..إلى أن قال.. تصطلح في ملكه السباع و تخرج الأرض نبتها و تنزل السماء بركتها و تظهر له الكنوز يملك ما بين الخافقين أربعين عاماً فطوبى لمن أدرك أيامه و سمع كلامه)(17) وقال أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام (ولو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها ولأخرجت الأرض نباتها و لذهبت الشحناء من قلوب العباد واصطلحت السباع و البهائم حتى تمشى المرأة بين العراق إلى الشام لا تضع قدميها إلاّ على النبات و على رأسها زبيلها لا يهيجها سبع و لا تخافه}(18)
و أنت تلاحظ في هذه الأحاديث خاصَّة الأخير كيف يسود الأمن تلك الدولة المباركة و أيضاً هناك ترابط وانسجام بين الجانب الروحي المعنوي في أصحابه عليه السلام حيث تذهب الشحناء من قلوبهم وبين الجانب المادي من نزول البركات و شمولية الخيرات، فكلُّ المشاكل والآفات التِّي نعيشها نحن منشأها ومنبتها هو الدنيا لا غير قال عليٌّ عليه السلام في خطبته المعروفة في توصيف الدنيا (دار بالبلاء محفوفة وبالغدر معروفة لا تدوم أحوالها ولا يسلم نزالها أحوالٌ مختلفة وتاراتٌ متصرِّفة، العيشُ فيها مذمومٌ والأمان منها معدوم و إنَّما أهلُها فيها أغراض مستهدفة ترميهم بسهامها و تفنيهم بحمامها}(19) فمع التخلُّص من الدنيا و الرجوع إلى الجنَّة في الأرض نتخلَّص من جميع ألوان العاهات والآفات والخوف والوحشة.

المعجزات و الكرامات
كلُّ ما ذكرنا من خصوصيّات حكومة الإمام المهدي روحي لتراب مقدمه الفداء يكمن في أمرٍ واحد وهو أنَّه مؤيَّد من قبل الله بالمعجزات والكرامات فدولته دولة الباطن لا الظاهر ولهذا نشاهد أنَّ لحجر موسى على نبيِّنا وآله وعليه السلام دورٌ مهمٌّ في طعام وشراب أصحاب الإمام المهدي عجَّل الله تعالى فرجه الشريف ففي الحديث المنقول من الخرائج
(روى عن أبي سعيد الخراساني عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال : إذا قام القائم بمكَّة و أراد أن يتوجه إلى الكوفة نادى مناديه ألا لا يحمل أحدٌ منكم طعاماً ولا شراباً ويحمل حجر موسى الذي انبجست منه اثنتي عشرة عينا فلا ينزل منزلا إلا نصبه فانبجست منه العيون فمن كان جائعا شبع ومن كان ظمآن روي فيكون زادهم حتى ينزلوا النجف من ظاهر الكوفة فإذا نزلوا ظاهرها انبعث منه الماء واللبن دائماً فمن كان جائعا شبعا ومن كان عطشانا روى}(20)
نشاهد في الحديث نقاط عظيمة تجعلنا نتيقَّن بما تحدَّثنا عنه من أنَّ مواصفات دولة الإمام المهدي هي نفس جنَّة آدم عليه السلام ونفس الحالة التِّي كان يعيشها بنو إسرائيل قبل هبوطهم مصراً وذلك:
لأنَّهم لا يحملون معهم طعاماً ولا شراباً فماذا يأكلون إذاً؟ إنَّ الحجَّة عليه السلام يحمل حجر موسى ذلك الحجر الذي انبجست منه اثنتى عشرة عيناً كما صرَّح القرآن بذلك.
جاء في كلام الإمام عليه السلام فانبجست منه العيون فمن كان جائعا شبع ومن كان ظمآن روي فهل ذلك العين يروي الضمآن فكيف يُشبع الجائع؟! تأمّل في هذا الحديث ثمَّ قايس بينه وبين قوله تعالى: (إن لك ألاّ تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى)(21) الوارد في شأن جنَّة نبيِّنا آدم عليه السلام وتأمَّل أيضاً في قوله تعالى (وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين)(22) علماً بأنَّ هذه الآية وقعت في تلك الآيات التي تبيِّن حال بني إسرائيل قبل الهبوط وبعد الهبوط .
ثمَّ: إنَّه عليه السلام في قوله فإذا نزلوا ظاهرها انبعث منه الماء و اللبن دائما فمن كان جائعا شبعا و من كان عطشانا روى قد بيَّن صفة الجنَّة حيث أنَّ انبعاث الماء واللبن بنحو دائم ليس أمراً دنيوياً خشناً بل هو أمر معنوي لطيف.
والمستفاد من الحديث أنَّ هذا حال الإمام عليه السلام و أصحابه وهو في بداية ثورته المباركة و قد قام عليه السلام بمكَّة و أراد أن يتوجَّه إلى الكوفة فكيف بعد استقرار حكومته و تمكينه الكامل على الأرض كلِّه!!
ثم :إنَّ الحديث التالي يبيِّن لنا السند الذي يتَّكأ عليه الإمام عليه السلام في حكمه
(على بن إبراهيم و احمد بن مهران جميعا عن محمد بن على عن الحسن بن راشد عن يعقوب بن جعفر قال كنت عند أبي إبراهيم عليه السلام و أتاه رجل من أهل نجران اليمن من الرهبان و معه راهبة فاستاذن لهما الفضل بن سوار فقال له إذا كان غداً فات بهما عند بئر أم خير ….إلى أن قال .. و سأل الراهب عن أشياء لم يكن عند الراهب فيها شئ فاخبره بها ثم إنَّ الراهب قال أخبرني عن ثمانية أحرف نزلت فتبين في الأرض منها أربعة وبقى في الهواء منها أربعة على من نزلت تلك الأربعة التي في الهواء ومن يفسرها قال: ذاك قائمنا ينزله الله عليه فيفسره وينزل عليه ما لم ينزل على الصديقين والرسل والمهتدين ..)(الكافي ج1 ص481 رواية5).
1 ـ بحار الأنوار ج 11 ص 122 رواية 56 باب 1
2 ـ بحار الأنوار ج 24 ص 325 رواية 39 باب 67
3 ـ الجن 16
4 ـ المائدة 66
5 ـ الكافي ج1 ص 25 رواية 21
6 ـ الكافي ج 8 ص 240 رواية 239 باب 8
7 ـ بحار الأنوار ج 52 ص 391 رواية 213 باب 27
8 ـ الأعراف 172
9 ـ بحار الأنوار ج 52 ص 328 رواية 46 باب 27
10 ـ بحار الأنوار ج 52 ص 339 رواية 84 باب 27
11 ـ بحار الأنوار ج 52 ص 291 رواية 35 باب 26
12 ـ بحار الأنوار ج 53 ص 6 رواية 1 باب 28
13 ـ بحار الأنوار ج 52 ص 316 رواية 12 باب 27
14 ـ هود 80
15 ـ بحار الأنوار ج 52 ص 327 رواية 44 باب 27
16 ـ بحار الأنوار ج 53 ص 81 رواية 86 باب 29
17 ـ بحار الأنوار ج 52 ص 280 الرواية6 باب 26
18 ـ بحار الأنوار ج 52 ص 316 رواية 11 باب 27
19 ـ بحار الأنوار ج 73 ص 82 رواية 45 باب 122
20 ـ بحار الأنوار ج 52 ص 335 رواية 67 باب 27