(…قال إن له غيبة تكثر أيامها ويطول أمدها فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون ويستهزئ به الجاحدون ويكذب فيها الوقاتون ويهلك فيها المستعجلون وينجو فيها المسلمون). تنبيـــــــــــــــــــــه في غاية الأهمية : موقع العرفان والانتظار مستقل عن أي مجمع أوهيئة أو فرقة أو جماعة أو مذهب أو طائفة أو مؤسسة أرضية .
وقولـه: أشهد أن الأحد معید غیبة الأبد، یعني بـه الصـورة الأزلیـة وأنهـا أحدّیة الَّذات والحقیقة مرشدة إلى توحید الأبد، ثم قال: وأشهد أنَّ الواحد منه رسول وعلیـه دلیـل لـم ینفصـل عنـه فیكـون ثانیـاً معـه ولم یتصل به فیكون هو هو، بل كلمته العلیا وآیته العظمى.
وقد قَّدمنا لك القول في غیر هذا الموضـع مبینـاً لتعرفـه إن شـاء االله. ومــا جعلــت الإقامــة للصــلاة فــرادى إلا لتجردهــا عــن النظــر إلــى المراتب العالیة، والسلوك في مراتب الأنوار المجردة.
وقد قـال االله تعالى : (( یا أَُّیها الَِّذین آَمُنوْا َ لا تَْقَرُبوْا الصلاةَ َوأَنتُْم ُسَكاَرى )) والسكُرهو الغفلة والجهل، فأمر بتجرید النفس من علائقها وقطعها عـن شــــواغلها، لتكــــون متهیئــــة مســـتعدةً لقبــــول مواهـــب االله، لأ َّن المصـــلي إذا أحضـــر نفســـه عنـــد المواجهـــة والـــذكر لجـــلال االله وجبروته وعظمته وسلطانه، ونظر إلـى المراتـب العالیـة رتبـة بعـد رتبـة، ونـَّزه االله وأجلَّـه وعظمـه عـن الرتبـة البابیـة الـتي هـي مقـام النفـس الكلیــة والكلمـة الإلهیــة ترقَّــى إلـى رتبــة الحجــاب الأعلــى الذي هو مقام العقل الكلـي، وحینئـٍذ یتـأدب ویقـف وقـوف العـارف المتصــل بــالله المشــاهد لجــلال جبروتــه وعظــم ســلطانه فیكــون مصلیاً على الحقیقـة متصـلاً بـالله بمقـدار طاقتـه، ویكـثر اكتسـابه مـــن بـــوارق الأنـــوار والمواهـــب القدســـیة علـــى قـــدرة قـــوة عقلـــه واستعداد نفسه فیكون إذاً موِّحـداً ومنِّزهـاً ومجـِّرداً ومالكـاً وعارفـاً، وهذه رتبة أصحاب الاتصال باالله الذین اتسموا بالإیمـان. وأمـا إن كــان وقوفــه للصــلاة لعبــاً وكلامــه لغــواً فیكــون أشــَّد جحــوداً مــن المنكر المخالف.
قال االله تعالى في الإنسان ((أَلَْم َنجَعل لَّه َعْیَنْین َوِلساناً َو َشفَتَْین َوَهَدْیَناهُ الَّنجَدْین)).